الاستيطان بالقوة.. اعتداءات إسرائيلية تهدد الوجود الفلسطيني في الأغوار
الاستيطان بالقوة.. اعتداءات إسرائيلية تهدد الوجود الفلسطيني في الأغوار
بدأت فصول جديدة من معاناة الفلسطينيين في الأغوار والضفة الغربية مع تصاعد اعتداءات المستوطنين والقوات الإسرائيلية على حد سواء، في مشهد يومي يعكس سياسة ممنهجة تقوم على الاستيلاء على الأرض، وتدمير سبل العيش، ودفع السكان الأصليين نحو الرحيل القسري، بعدما أقدم مستوطنون اليوم الأربعاء، على حراثة أراضٍ فلسطينية في قرية شلال العوجا البدوية شمال مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية المحتلة، في خطوة اعتبرها الأهالي محاولة واضحة لفرض واقع جديد على الأرض وضم المساحات الزراعية إلى بؤرة استيطانية أُقيمت حديثا في المنطقة.
بحسب ما أكده حسن مليحات، المشرف العام لمنظمة البيدر الحقوقية، شرع مستوطنون برفقة جرارات زراعية منذ ساعات الصباح الأولى بحراثة أراض مملوكة لمواطنين فلسطينيين في منطقة شلال العوجا، تمهيدا لزراعتها لاحقا وربطها بمساحات أخرى سبق الاستيلاء عليها خلال الأشهر الماضية، وأوضح مليحات أن هذه الاعتداءات تأتي في سياق مخطط توسعي يستهدف تعزيز وجود البؤرة الاستيطانية الجديدة، وسط حماية مباشرة من قوات الجيش الإسرائيلي حسبما نقل المركز الفلسطيني للإعلام.
وحذر مليحات من أن المستوطنين لا يعملون بمعزل عن القوات العسكرية الإسرائيلية، بل ينفذون اعتداءاتهم تحت حمايتها، حيث يقوم الجنود بتأمين المنطقة، وترويع المواطنين، وملاحقتهم، واعتقال عدد منهم عند محاولتهم الاقتراب من أراضيهم أو الاعتراض على ما يجري، وأشار إلى أن هذا النمط من الاعتداءات ليس حدثا معزولا، بل جزءاً من سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، وفتح الطريق أمام مزيد من التوسع الاستيطاني في شلال العوجا التي تقلصت مساحتها بشكل كبير بفعل جدار الفصل والبؤر الاستيطانية التي شرعنتها الحكومة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة.
إتلاف المحاصيل
تمثل شلال العوجا واحدة من المناطق الزراعية الحيوية في الأغوار، وتعتمد عشرات العائلات البدوية والزراعية على أراضيها كمصدر رزق أساسي، ومع كل عملية حراثة قسرية أو مصادرة جديدة، يخسر السكان جزءا من أمنهم الغذائي واستقرارهم الاجتماعي، ويقول سكان محليون إنهم باتوا يعيشون في حالة ترقب دائم، خشية فقدان ما تبقى لهم من أراض، في ظل عجزهم عن الوصول إلى القضاء أو الحماية الدولية الفعلية.
لم تتوقف اعتداءات المستوطنين عند شلال العوجا، إذ شهدت منطقة الفارسية في الأغوار الشمالية حادثة أخرى تمثلت في إتلاف محاصيل زراعية تعود للمواطن يوسف أبو العايدة، وأفادت مصادر محلية بأن مستوطنين أقدموا على تدمير محاصيل مزروعة على مساحة عشرات الدونمات، ما تسبب بخسائر مادية فادحة لعائلة تعتمد بشكل شبه كلي على الزراعة كمصدر دخل. ويعكس هذا الاعتداء نمطا متكررا من استهداف الإنتاج الزراعي الفلسطيني بهدف كسر قدرة السكان على الصمود في أرضهم.
وتشير معطيات ميدانية إلى أن مناطق الأغوار الشمالية تشهد تصاعدا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين المسلحين، الذين يتحركون بحرية تحت حماية الجيش الإسرائيلي، وخلال العامين الماضيين فقط أدت هذه الاعتداءات إلى إجبار أكثر من 35 عائلة فلسطينية على ترك مساكنها، كما تم إفراغ ثلاثة تجمعات سكنية بشكل كامل، في واحدة من أخطر موجات التهجير الصامت التي تشهدها المنطقة منذ سنوات.
الضفة الشمالية تحت الجرافات
في موازاة ما يجري في الأغوار، تعرضت مناطق شمال الضفة الغربية لاعتداءات مماثلة. ففي بلدة زبوبا غرب جنين، اقتحمت جرافات تابعة للجيش الإسرائيلي الأراضي الزراعية، وشرعت بتجريف مساحات واسعة واقتلاع أشجار زيتون معمرة، وقال رئيس بلدية زبوبا أشرف مقالدة إن قوات الجيش الإسرائيلي نفذت عمليات تجريف في المنطقة الشمالية من البلدة، واقتلعت عددا من أشجار الزيتون التي تمثل رمزا اقتصاديا وثقافيا لأهالي المنطقة.
وأوضح مقالدة أن السلطات الإسرائيلية كانت قد أخطرت بتجريف نحو 60 دونما من الأراضي المزروعة بالزيتون، تضم ما يقارب 1500 شجرة، مؤكدا أن عمليات التجريف هذه ليست الأولى، إذ سبقتها عمليات مماثلة قبل نحو أسبوعين شملت أيضا تجريف أربعة بيوت بلاستيكية تستخدم للزراعة.
وفقا لمعطيات صادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفذت قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنون 2144 اعتداء خلال شهر نوفمبر الماضي وحده، وتشير الأرقام إلى أن الجيش الإسرائيلي ارتكب 1523 اعتداء، في حين نفذ المستوطنون 621 اعتداء، وهو ما يعكس مستوى مرتفعا من العنف المنظم ضد الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم.
البعد الحقوقي للانتهاكات
من منظور حقوقي، تشكل هذه الاعتداءات خرقا واضحا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على القوة القائمة بالاحتلال مصادرة الممتلكات الخاصة أو نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، كما أن استهداف المحاصيل الزراعية وسبل العيش يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، وهو محظور بموجب القانون الدولي، ورغم ذلك، تستمر هذه السياسات في ظل غياب آليات مساءلة فعالة، ما يعمق شعور الفلسطينيين بانعدام العدالة.
ما يجري في شلال العوجا والأغوار الشمالية وشمال الضفة الغربية ليس سوى صورة مصغرة لواقع أوسع، تقوم فيه سياسات الاستيطان على فرض الأمر الواقع بالقوة، وإعادة رسم الجغرافيا والديمغرافيا على حساب السكان الأصليين، وبينما تتواصل عمليات الحراثة القسرية وتجريف الأراضي واقتلاع الأشجار، يبقى الفلسطينيون عالقين بين التشبث بأرضهم، والخوف من فقدانها في أي لحظة، في ظل صمت دولي لا يرقى إلى حجم الانتهاكات المتواصلة.
تعد الأغوار الفلسطينية من أكثر المناطق استهدافا من قبل الاستيطان الإسرائيلي، نظرا لموقعها الجغرافي وأهميتها الزراعية والاقتصادية، وتمثل نحو 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وتضم أراضي خصبة ومصادر مياه حيوية، ومنذ السيطرة على الضفة الغربية عام 1967، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على فرض قيود مشددة على البناء والزراعة الفلسطينية في الأغوار، مقابل دعم واسع للتوسع الاستيطاني، وتعيش عشرات التجمعات البدوية والزراعية في هذه المنطقة تحت تهديد دائم بالهدم والمصادرة، في ظل سياسات تعتبرها منظمات حقوقية محلية ودولية شكلا من أشكال التهجير القسري البطيء.











